قصة قصيرة ... سر الزاوية




كنت أسكن في حي شعبي، تملأه أصوات الباعة المتجولين، وتدب الحياة فيه بضحكات الاطفال... مع مرور الزمن تحول هذا الحي إلى شارع يعج بالمطاعم والمحلات التجارية، وكان لابد لي من المرور يوميا في هذا الطريق للوصول إلى منزلي، ما شد انتباهي خلال هذه السنوات هو موقع محل في الزاوية، كان هذا المحل الصغير الموجود في هذه الزاوية، يتغير كل فترة فلا تمضي سنة إلا وتحول من محل للملابس إلى محل تجاري لبيع المواد الغذائية، ثم إلى خياط ثم إلى محل للهواتف النقالة، كانت هذه الزاوية لا تستقر أبدا.
حتى قرر بائع الخضراوات المجاور له ضمه إلى محله، وذات يوم اثناء عودتي قررت التوقف للحظات لشراء بعض الفواكه والخضراوات، كان رجلاً طاعناً في السن، عندما يبتسم تنكشف شفتاه عن لثة داكنة واسنان نحتها الزمن، رأيت أن الموقع الذي في الزاوية خال من البضاعة، وعندما طرحت عليه سؤالي صارحني بقراره بإعادة المحل كما كان والتخلي عن هذه الزاوية، اصابتني الدهشة فالمحل تم توسيعه منذ اسابيع فقط.
وادرك اندهاشي فقال هذه الزاوية أخذت ظلماً من اصحابها ومن يحاول الاستثمار فيها لا ينجح، فالبضاعة تحل عليها لعنة هذا المكان وعندما اضع الخضراوات في هذه الجهة من الزاوية تفسد ولا يشتريها أحد، وعندما اضعها هنا لا يمضي اليوم إلا والصناديق فارغة، ابتسمت مستغربا من هذه الخرافة التي يتفوه بها هذا الرجل الطاعن في السن.
وعندما عدت للمنزل وقبلت رأس جدتي واخبرتها بالحكاية... قالت لي: منذ سنوات مضت كانت تسكن في هذه الزاوية ارملة مع ابنتها الصغيرة في بيتها المصنوع من الطين، كانت المرأة تحيك الملابس لنساء الحي وتكسب بعض الدراهم التي تسد رمقها من الجوع.
وفي يوم من الايام مرضت ابنتها الصغيرة، ولم تكفها نقودها لشراء الدواء فذهبت إلى تاجر في الحي وطلبت اقتراض بعض الدراهم لكنه اشترط عليها أن ترهن شيئا لديه، وإذا تأخرت في سداد الدين استولى عليه، ولم تملك إلا ورقة المنزل، وفي الماضي كان الفقراء يرهنون منازلهم عند اقتراضهم المال، سلمته الورقة وسلمها الدراهم التي كانت سبيل النجاة لابنتها الصغيرة، ومضت أيام قاسية ولم تجد هذه المرأة أي عمل يساعدها في سداد الدين، وانتهى الوقت سريعاً فكشّر التاجر عن انيابه واستولى على المنزل، لعجز هذه الارملة عن دفع الدراهم القليلة ولم يطرف له جفن، و يرميها خارج المنزل مع ابنتها، فرفعت يديها تشكو لخالقها وإلى هذا اليوم... لم يوفق التاجر في هذه الزاوية ولم تعد عليه بالفائدة فقد حلّت عليها لعنة المظلوم.

تعليقات

المشاركات الشائعة