حوار مع صحيفة السياسة الكويتية


حوار مع صحيفة السياسة الكويتية نشر في تاريخ ٢٠ يونيو ٢٠٢٠ 


ليلى المطوع: الرواية صوت الأمة وقضيتي الإنسانترى أن" الرقابة تمنع شخصيات من العمل الأدبي موجودة في واقعنا"


ما أسوأ أن يُحرم كاتب من رؤية إنتاجه الفكري بسبب آراء مغايرة

من حق كل إنسان أن ينشر ما يكتب ومصطلح النخبوية يسيء للثقافة


*** 

اعداد الصحفية آية ياسر 

تميّزت بدفاعها عن المرأة بكلمات جريئة وواقعية، وعرفت بإنسانيتها وقدرتها على التأثير والتغيير في المجتمع، هوجمت كثيرا من قبل المتشددين الذين اتهموها بالفجور والإلحاد، بدأت رحلتها مع الأدب في عمر مبكر؛ فكتبت روايتها الأولى وهي في العشرين من عمرها، بسبب أحد المواقف التي أثرت عليها من خلال تجربة صديقتها الواقعة في حب رجل سيئ. وحول مشوارها الفني الذي بدأ منذ عام 2008 إلى أن أصدرت عام 2012 أول عمل أدبي لها بعنوان” قلبي ليس للبيع” قالت الروائية البحرينية ليلى المطوع في حديث لـ”السياسة “: إن الرواية هي الصوت الذي يعكس هموم الأمة، مؤكدة أن قضيتها هي الإنسان الذي تسلب منه حقوقه وأن توجهها إلى المجال النسوي سببه البيئة التي عاشت فيها، فيما شنت هجوما على الرقابة لمنعها بعض الأعمال وحذف شخصيات ترى أنها موجودة في واقع المجتمع لا يمكن طمسها، وفيما يلي التفاصيل:

إلى أي مدى لعبت نشأتك دوراً في تكوينك الأدبي؟

لطالما كنت أريد اكتشاف العالم الآخر، أذكر أني كنت في سن صغيرة حين كانت قناة مخصصة باللغة الإنكليزية تعرض أفلامًا، تدهشني أحداثها فيحاول عقلي اكتشاف الحدث وفقًا للصورة، كنت أتمنى لو أني كسرت الحاجز، وفككت اللغة، أو أني استطعت أن أفعل ما يفعله أقراني الأكبر مني، حين يقرأون الترجمة، فيدهشون بالحوارات بينما اكتفي أنا بمخيلتي.
كان انجذابي للمعرفة، والفضول الذي نما في داخلي تجاه مكتبة ضخمة تحتل جزءا كبيرا من الحائط، يدفعني لتسلق أرففها، واكتشاف هذه العوالم التي كان الحاجز بيني وبينها عدم قدرتي على القراءة.
أذكر أني كنت أسحب كتابًا وأنظر لصوره، رغم اعتراض والدي خوفًا على مكتبته من عبث طفلة لا تفهم قيمة الكتب، وأذكر أن والدتي كانت تحرص على شراء كل أنواع الكتب من موسوعات، وقصص أطفال تعود للمكتبة الخضراء، أو مجلدات مصورة. كنا حين نتناول الطعام نقرأ، رغم أن من حولنا تربوا في بيئة تشاهد التلفاز حين يتناولون الطعام، إن للأدب أهمية عالية فهو الذي يمنحنا صوتا مختلفا، وحكاية أخرى حملت عبر صفحات، إنه قصة مغايرة للقصص التي ولدنا ونحن نسمعها، إنه يجعلنا نعي حقنا في اختيار طريق مختلف، فمن يقرأ لا يسير على الدرب نفسه الذي سار عليه أقرانه.

ما مخاوفك الكبرى؟

أخشى أن تتوقف الحكاية في داخلي، فيجرفني هذا العالم، أن لا أعود أروي، أن لا أمتع نفسي بمط خيالي، وتوسعته من خلال السرد، منذ طفولتي كنت لا أنام إلا على صوت الحكايات التي تسرد لي، وحين فقدت هذا الصوت، بحثت عن راو آخر، فوجدت في داخلي صوتا يسرد لي حكايات أتخيل نفسي أعيشها، كانت أدوات متعتي بسيطة، في بيئة لا تخرج فيها المرأة كثيرًا.

ما الذي تمثله الرواية اليوم للمجتمع العربي؟

إن الرواية تمثل توثيقا لمرحلة معينة في تاريخ المجتمع، هي الصوت الذي يعكس هموم الأمة، وتكوينها في مرحلة ما، إنها صوت النسيج الاجتماعي، الرواية أكثر من كونها ترفيه، أو متعة، هي تنقلك لعالم آخر، فمثلا أنا أعشق اليابان رغم أني لم أزرها، لكن تعرفت عليها من خلال كتابها، تلمست الطريق معهم، واكتشفت طبيعتها، وثقافتها، وشخوصها، إنها مدونة سردية توثق الحالة المجتمعية، والبيئية.


ما الذي تمثله الرواية اليوم للمجتمع العربي؟


إن الرواية تمثل توثيقا لمرحلة معينة في تاريخ المجتمع، هي الصوت الذي يعكس هموم الأمة، وتكوينها في مرحلة ما، إنها صوت النسيج الاجتماعي، الرواية أكثر من كونها ترفيه، أو متعة، هي تنقلك لعالم آخر، فمثلا أنا أعشق اليابان رغم أني لم أزرها، لكن تعرفت عليها من خلال كتابها، تلمست الطريق معهم، واكتشفت طبيعتها، وثقافتها، وشخوصها، إنها مدونة سردية توثق الحالة المجتمعية، والبيئية.


ما نظرتك لعلاقة القارئ والكاتب بالعالم ؟ 


القارئ متمرد على كل شيء، هو حين يمسك بكتاب ويجلس في زاوية وكأنه يقول إن هذا العالم الذي أعيش فيه لا يكفي، إني أبحث عن عوالم أخرى ترضي الفضول الذي في داخلي، ونحن ككتاب كذلك نشعر أن الصوت الراوي لهذا العالم لا يرضينا، إننا نكتشف العالم من رؤيتنا للأشياء بطريقة مختلفة، إن الراوي لهو قائد، هو يقود ذاته لسماع العالم من وجهة نظره، هو يقول لمن حوله كفى، فليسقط الراوي الذي يروي هذا العالم، وسأكون مكانه.


تنحازين إلى المرأة وقضاياها في كتاباتك… هل يمكن تصنيف أعمالك الأدبية على أنها نسوية؟

لا اعتقد ذلك، فقضيتي هي الإنسان، الإنسان الذي تسلب منه حقوقه، الذي يعيش مهمشًا، أعتقد أن انخراطي في المجال النسوي كان سببه البيئة التي عشت فيها، وأدركت أنها تسرق مني سنوات عمري، لو حاول أحدهم سرقة حقيبة امرأة، أو هاتفها، أي شيء يتعلق بها، لملئت الدنيا صراخًا، لكنهم هنا يسرقون سنوات من عمرها، وهي صامتة، لأنهم سلبوا منها الوعي، جاهدوا أن لا تدرك قيمة ما يسرقونه منها.

قضايا المرأة

من بين قضايا حقوق المرأة، ما القضايا الأكثر إلحاحاً من وجهة نظرك التي يجب تسليط الضوء عليها في الأدب والإعلام؟

حرمان الفرد من الوعي، والخوف عليه من العالم الخارجي، إن ما تفعله العائلة حين تسجن نساءها هي إعماؤهن عن الواقع بكل ما فيه، أذكر أني حين خرجت من منزل عائلتي في سن صغيرة، كنت أتلمس الظلام، اكتشفت أن عيني لا ترى، أني عمياء حين أخرج خارج الدائرة التي اعتاد وعي البصري عليها، كنت أتلمس الظلام لأكتشف ما حولي، كنت أتعلم رؤية بصرية مغايرة، اكتشف كل شيء من جديد، إنني أبصر للمرة الأولى، بلا ذاكرة بصرية أعول عليها، أنهم يخلقون النساء هنا لعالم لا يناسبهم.


من خلال تغريداتك، يبدو أنك مجحفة بحق الرجل، فأنت قاسية عليه، هل لنشأتك دور في إحساسك بالغضب تجاه الرجال؟

هذا الإحساس أحمله أنا ونساء كثر، وذلك لأن الأمثلة التي قدمت لنا في طفولتنا، أومراهقتنا، أو أمثلة لامسناها عن قرب، لأفعال الرجل تجاه النساء كانت سيئة جدا، لذلك دائما ما أطلب من الرجال الذين يشعرن بنفور شقيقاتهم وزوجاتهم، البحث عن الخلل في العلاقة التي تربطهم، وتقديم مثال مختلف عن الصورة النمطية التي يتعامل بها الرجل مع نساء عائلته، لا أنكر أن هناك رجالا مختلفين عن الصورة المنتشرة، ولكن هذه الأمثلة قليلة جدا، نحن بحاجة إلى تسليط الضوء عليها، بحاجة إلى أن يحارب الرجل هذه الصورة الشائعة ويكسرها بأمثلة مختلفة.
هؤلاء يعتقدون أن القفص الذي خلقوه لنا يكفي، هم يعتقدون أن هذه السعة مناسبة، أنني لا أريد للرجل أن يؤمن ولو قليلاً أن لديه حق امتلاك جسدي أو حريتي، أنا حين أقرر سأقرر من دون خوف، أن يكون الأخ أخًا لي في كل حالاتي، أن يقف معي لا أن يعنفني، إني استغرب من هذا المجتمع الذي يحاول حرمان المرأة من أبسط حقوقها، وأتفهها مثال على ذلك كثير من الفتيات في سن مبكرة يرغبن بالتزين، وجذب الطرف الآخر، ليشعرن أنهن محبوبات، هذه حاجة توجد في كل إنسان، حقه أن يحب، وأن يكون محبوبًا، كيف يتصورون أن هذا الشعور الطبيعي أمر بشع، كيف يصل الحرمان والقسوة أن تحرم إنسانا من أهم إحساس، وتمارس تمييزًا بحقه لأنه فقط ولد بجسد مختلف، جسد أنثى، نحن هنا نولد وهم يقنعوننا أننا ولدنا داخل سجون، إن هذا الجسد الذي وجدنا بداخله هو أول سجن ستدركه المرأة.

سلطة الرقابة


لك تجربة في كتابة السيناريو، حدثينا عن هذه التجربة؟

نعم، كتبت أول نص كسيناريو عام 2012 وقد قامت شركة السلام بشراء حقوقه، ولكن النص لم يصور بسبب منع الرقابة، فما أسوأ أن يحرم كاتب من رؤية انتاجه الفكري المتمثل في شخصيات وأحداث، لأن هناك آراء تشعر أن المجتمع غير مستعد لهذا النوع من الأعمال الفنية، إني أجد أن هناك فجوة كبيرة بين الوعي الاجتماعي، وبخاصة في السنوات الأخيرة في ظل وجود قنوات عدة تعرض أفلاما ومسلسلات مترجمة من مختلف بقاع العالم، وبين النصوص المقدمة كأعمال درامية، يجب ردم هذه الفجوة، لأن الجيل الحديث أخذ يهجر المسلسلات الخليجية، فقد صار وعيه أكبر منها، الأعمال الفنية يجب أن توثق مرحلة في تاريخ البيئة التي انطلقت منها، هل هذه هي البيئة الحقيقة التي تعكس واقعنا، هل هذه هي قضايانا التي تشغل بالنا؟


كثير من الكتاب والقراء يتحدثون عن تدني مستوى الكتب التي تطرح في معارض الكتاب، ما رأيك بهذه الظاهرة؟

حسنًا من حق كل إنسان أن ينشر، وأن يعبر عن ذاته، وسيجد جمهورا يتقبله، إن الترفيه أمر، والبحث عن الثقافة من خلال القراءة لهو أمر آخر، أن مصطلح النخبوية هو مصطلح يسيء للثقافة، هوغلق باب جاهدوا مِن قبلنا على فتحه، أي أن تكون القراءة أيًا كانت، حق إنساني، ومتعة غير محصورة على فئة معينة من المجتمع.
هناك الكثير من الشباب في ظل هذا العالم وتوسعه، لم يمسكوا كتابا في حياتهم غير الكتاب المدرسي، هل نمنحهم كتب دوستويفسكي في البداية ونصر عليهم على تذوق ما نتذوقه نحن القراء منذ أمد، هل نحرمهم حق متعة القراءة لأننا نشعر ان ما يقرأونه تافه.
إن الإنسان لا يولد وهو مثقف، هو طريق طويل اختار بعضنًا أن يتخذه،بينما الآخرون يكفيهم العالم الذي هم فيه، وحكاياه التي نجد أنها لا تناسب ذوقنا في القراءة، لم ينزعج هذا العالم الثقافي حين يرى إقبال القراء على كتب مختلفة عما نؤمن فيه أنه هو الأدب،هل قرأنا كل هذه الكتب حتى نتكبر على من حولنا،أم حتى نمارس دكتاتورية بغيضة من دون أن نشعر،أن تقبل الآخر لهو وعي في الأخير، وكل شخص له طريقه، وتذوقه في القراءة،فأتمنى من القراء الذين يصنفون أنفسهم على أنهم نخبويون أن يعوا.


ما رأيك في موضوع الرقابة، والمنع المبالغ به؟

إن الأدب هو في الأخير نتاج مجتمعي، حول جماعة من الناس على اختلاف أطيافها، لا أعلم لم تصر الرقابة على حذف شخصيات وجدت في المجتمع، أن تطمسها وكأنها لم توجد في يوم، إننا هنا لا نعيش في مجتمع طوبائي، هل يريدون أن يقولوا للعالم انظروا هذا مجتمعنا لا يوجد فيه تنوع، هو مجرد عدد من الشخصيات تتكرر، لا يمكن طمس الحقيقة، إن هذه الأفكار والشخوص حتى إن لم تعجب الرقابة هي قد حدثت فعلا.

إن المنع لهو أمر ساذج، والسلطة يجب أن لا تستخدم بهذه الطريقة، السلطة الرقابية يجب أن تسمح للإنسان أن يمارس حقه في التعبير، وإظهار واقع المجتمع، وأن تعاقب وتمنع من يسلب الآخر حقه في ذلك، ومن يحاول تزييف الحقيقة، لأن الأدب حين يقدم لنا شخصيات متنوعة يمنح القارئ الوعي الاجتماعي في طريقة التعامل معها.





رابط الحوار: 












تعليقات

المشاركات الشائعة